صدر منذ أسابيع قليلة الطبعة الإنجليزية من كتاب مهم للباحث الفرنسي جيل كيبل، بعنوان «بعيدًا عن الفوضى: الشرق الأوسط وتحدي الغرب». كيبل هو أستاذ العلوم السياسية بجامعة باريس، وأحد أهم المتخصصين الغربيين في شؤون المنطقة.
أحد الأفكار الرئيسية التي يطرحها الكتاب هي أن التطورات في الشرق الأوسط خلال الخمسين عامًا الماضية تأثرت بشكل كبير بعاملين رئيسيين هما النفط والإسلام السياسى، أو ما يمكن أن نطلق عليه البرميل والعمامة. ويبدأ كيبل تحليله بعام ١٩٧٣، عندما قامت الدول العربية المُصدّرة للنفط بفرض حظر على الدول المؤيدة لإسرائيل أثناء حرب أكتوبر. هذه المقاطعة العربية أدت لارتفاع سعر برميل النفط بشكل كبير، وزيادة الأهمية لمنطقة الشرق الأوسط، كما ساهمت الثروة الناتجة عن النفط فى إعاد هيكلة توازنات القوى بين دول الشرق الأوسط.
أما المتغير الثاني المتعلق بالإسلام السياسي، فيبدأ كيبل تحليلة من ١٩٧٩، باعتباره العام الذي اندلعت فيه الثورة الإسلامية في إيران، وعاد آية الله الخومينى من باريس ليقود هذه الثورة، ويؤسس لنظام الجمهورية الإسلامية. كما شهد عام ١٩٧٩ الغزو السوفيتي لأفغانستان، وقيام الولايات المتحدة بمساندة ما عُرف بحركة المجاهدين، واستخدام الدين الإسلامى لمواجهة الاتحاد السوفيتى في أفغانستان، في ظل قناعة أمريكية فى هذا الوقت أن الأولوية يجب أن تكون للتعامل مع الخطر الشيوعي في الحرب الباردة، وأن هؤلاء المجاهدين هم مجموعة من الشباب الثائر ولا يجمع بينهم أي أيديولوجية تهدد الولايات المتحدة، وكان ذلك بداية خروج عفريت الإسلام السياسى من الزجاجة، وتوسع هذه الحركة وتطورها حتى ظهور داعش وإقامة دولة الخلافة الإسلامية.
بدون البرميل والعمامة
.. والتي يرى الكتاب أنها كانت أحد تداعيات ما عرف بالربيع العربي، نتيجة انهيار سيطرة بعض الدول مثل سوريا وليبيا واليمن على أراضيها وحدوث فجوة فى السيادة عليها، قامت داعش بملئها والنمو فيها.
ولكن الكاتب يخلص إلى أن السنوات الخمسين الماضية، التي قضيت تحت رعاية «القرآن والبراميل»، واتسمت بتضخم تأثير النفط والتوسع في الإسلام السياسي، دخلت الآن في مرحلة الانحسار ولم تعد مستدامة. فاستغلال النفط الصخري، خاصة في الولايات المتحدة، أدى إلى زيادة كبيرة في العرض، كما أن التحول إلى مصادر بديلة للطاقة مثل التوسع في السيارات الكهربائية وغيرها من وسائل النقل سيقلل الطلب، وبالتالي سيفقد النفط جانبًا كبيرًا من قيمته السوقيّة، كما سيفقد تأثيره على العلاقات الدولية، ونتيجة لذلك ستنخفض الأهمية الاستراتيجية لمنطقة الشرق الأوسط، وقد شاهدنا إرهاصات ذلك في السنوات الأخيرة.
أما ظاهرة العمامة أو الإسلام السياسي فقد بدأت هي الأخرى في الانحسار نتيجة للضربة القوية التي تعرضت لها جماعة الإخوان المسلمين في مصر، وهزيمة داعش على الأرض والقضاء على دولة الخلافة فى سوريا والعراق، بالإضافة إلى الإصلاحات الهيكلية التي تتبناها القيادة السعودية الجديدة والتي تساهم في الحد من انتشار الفكر المتطرف. صحيح أن تيار الإسلام السياسي قادر على التحور والتكيف والظهور مرة أخرى بأشكال مختلفة، إلا أن العديد من المؤشرات تؤكد تراجع تأثيره على الأقل فى الأمد المتوسط.
ويبقى السؤال حول ملامح عالم ما بعد البرميل والعمامة، وهنا الإجابات متنوعة، ولكن المؤكد أنه يتيح فرصًا لتبنى اقتصاديات أكثر تنوعًا، ومشاريع سياسية أكثر معاصرة، والعيش في منطقة أقل عرضة لتدخلات القوى الخارجية.
المصدر : almasryalyoum.com