ما الذي يجعل "شجرة الميلاد" مهرجان فرح عابرًا للأديان بهذه الطريقة؟ لماذا لا نرى "فانوس رمضان" مثلاً يغزو العالم، أو رموزًا تابعة لديانات أخرى تنتشر هذا الانتشار الكبير؟
وفقًا لموقع "بيو" للأبحاث، فإن 92٪ من الأميركيين يحتفلون بعيد الميلاد، هذا يعني أن هناك الكثير من المحتفلين ليسوا بالضرورة مسيحيين، ويشير الموقع إلى أن 32٪ من الأميركيين يعتبرون عيد الميلاد عطلة تخص الثقافة الشعبية في البلاد، أكثر منها عطلة دينية.
هذه الإحصائية وإن كانت تخص الولايات المتحدة فقط، إلا أن ثقافة احتفال غير المسيحيين بعيد الميلاد، أصبحت سمة عالمية، وتؤكد احصائيات في دول متفرقة من العالم ذلك، وحتى المشاهدات الشخصية يمكنها التأكيد أن موسم أعياد الميلاد، موسم احتفال لكثير من معتنقي الديانات الأخرى، سواء السماوية أم الوضعية.
يقول البعض، إن ذلك يعزى إلى أن المسيحيين هم الديانة الأكثر شيوعًا في العالم، كما أن معتنيقها يتمركزون في دول مؤثرة عالميًا أكثر من غيرها، كالدول الأوروبية والولايات المتحدة، التي يسهل تصدير ثقافتها إلى باقي العالم، إلا أن هذه النظرية ليست دقيقة، بدليل عدم انتشار تقليد الثوب المريمي مثلًا، الذي ترتديه الفتيات المسيحيات في شهر أيار/مايو، وعدم انتشار تقليد تلوين بيض عيد الفصح مثلًا، رغم أنه تقليد قديم، وارتبط بكثير من الثقافات الشعبية خاصة في بلاد الشام (خميس الأموات).
أشجار عيد الميلاد أصبحت شعبية بشكل استثنائي لأسباب ثقافية بحتة، إذ تبنى المسيحيون استخدامها دون أي نص مقدس، ويمكنهم التخلي عنها دون التضحية بأي شيء جوهري في الدين، بينما يمكن لغير المسيحيين تبنيها وتجريدها من الدلالات المسيحية.
إذاً، الأمر يتعدى الرمزية الدينية للشجرة، ويلتصق التصاقًا وثيقًا بالسرد التاريخي لتطور "الفكرة"، حتى أصبحت بالشكل الذي نعرفه الآن عن "شجرة الميلاد".
جميع المصادر، تؤكد أن تاريخ شجرة الميلاد يعود إلى الاستخدام الرمزي للأشجار دائمة الخضرة لدى الشعوب القديمة قبل الميلاد، التي كانت تعلق في الشتاء أغصاناً خضراء فوق الأبواب والنوافذ، باعتقاد أن من شأنها إبعاد السحرة والأشباح والأرواح الشريرة والمرض.
واستخدم الرومان الأوائل الخضرة لتزيين معابدهم في مهرجان تكريم "ساتورن" إله الزراعة، في حين استخدم المصريون القدماء سعف النخيل كجزء من عبادتهم للإله رع، والتي تمثل انتصار الحياة على الموت.
أما شعوب شمال أوروبا، فكانوا يزينون معابدهم بالأغصان الخضراء كرمز للحياة الأبدية، في حين اعتقد الفايكنغ سكان المناطق الاسكندنافية أنها النباتات الخاصة بإله الشمس.
مولد المسيح سبغت عليه رمزية تشير إلى الأمل والضوء، وعودة الحياة بعد الموت، مما دفع الكنيسة الكاثوليكية منذ عدة قرون، إلى تبني الانقلاب الشتوي باعتباره عيد ميلاد يسوع.
مع الوقت، أصبحت الرمزية المسيحية المباشرة أقل حضورًا في زينة الميلاد، إلا أن الأيقونات المستخدمة في تزيين الشجرة، ذات مداليل تصب في قلب العقيدة المسيحية.
المصدر : almayadeen.net