لستُ صائماً!
بقلم/ مرثا بشارة
أن تصوم وأنت في أشهر الصيف ذات الطقس الحار، هو أمرٌ حميدٌ طالما ينبُع من إعتقاد ديني أنت على قناعة بجدواه على حياتك، فإذا إختبرت شدة العطش تحت قيظ الشمس، أو إختبرت سعرة الجوع عند رؤياك للطعام وظللت على صيامك رغم إرهاقه لجسدك، فهنيئاً لك ثبات موقفك!
لكن هناك تساؤلات تراودني بشأن الصيام كلما رأيت سلوكيات الصائمين في بلداننا العربية، أهمها لماذا نصوم؟ هل فقط لنؤلم أجسادنا بإختبار معاناة العطش والجوع حتى نشعر بإلَام الأخرين؟ إن كان الأمر كذلك، فهل يعني هذا أننا نتجرد من إنسانيتنا في غير أوقات الصيام؟! ألا يشعر الإنسان الطبيعي بمعاناة الأخرين ويسعى لرفع هذه المعاناة عن عاتقهم في كل الأوقات الممكنة؟! لماذا علينا أن نتألم حتى نشعر بإلَم الأخرين؟!
هل نصوم لنوال الأجر والثواب أم خوفاً من العقاب؟ هذا السؤال يجعلني أفكر فيما هو أبعد، فهل المولى سبحانه بحاجة لصيام عبد ذليل مثلي أنا الإنسان؟! من أين لي أنا البشر الضعيف أن أكون طرفاً في معادلة طرفها الأخر هو الله القدوس؟! فلا صيامي يُغير من حالتي ويطهرني من إثمي حتى يمنحني الجسارة أن أقف أمام الله القدوس وأقول ها أنا ذا إنسانٌ بارٌ طاهرٌ من الذنب والإثم، ولا عدم استطاعتي الصيام يجلب عليّ شراً لا تحتمله بشريتي الضعيفة أمام الله الجبار!
وإن ظننت أنني بصيامي سأنال المكافأة، أو أتقي شر الإله، فلن يُحتسب لي شيئاً! لأنه هكذا عبدة الأوثان قديما كانوا يظنون!
لقد فتشت وبحثت، ولم أجد للصيام غاية أعظم من هذه، أن الله الذي يرى صيامي في الخفاء، محبته هي مقصدي وغايتي، فأنا أصوم لأنه أحبني أولاً وأنا بعدُ في خطيئتي، حتى إنفتحت عيون ذهني لأرى نور محبته غير المشروطة بصيام أو زكاة أو أعمال صالحة، ربما يُصبني العجز عن القيام بها،
فلا حاجة لي أن أبوّق للناس لأعلن عن صيامي حتى يكافئونني بالمديح، أو يضطّرون لمجارة شعوري طوعاً أو رغماً عنهم، ولا حاجة لي أن أُظهر في صيامي عبوساً وتأففاً، لأنني إن فعلت ذلك، لستُ صائماً!