أنا عربي... أنا رسالة

مقال الأسبوع: المقال الثاني
الكاتبة: مرثا بشارة
أنا عربي... أنا رسالة
بين النّرجسيّة وجَلْد الذّات هُوّة عميقة تهوي في غياهبها الشَّخْصيَّةُ العربيَّة، فمنذ نعومة الأظافر، ننشأ على الفخر والاعتزاز بالقوميَّةِ العربيَّة، ويعلِّمنا مدرِّسونا في المدارس التَّغنِّي بأنَّنا أصحاب تاريخ وحضارات، و يسوقنا دعاة النَّرجسيَّة عبر وسائل الإعلام حتى نظنَّ أنَّنا أفضل شعوب الأرض قيمًا وخُلقًا، لكن على الجانب الآخر تقف مطرقة النَّقد لتُحطِّمَ هذه النَّرجسيَّة الزائفة على صخرة الواقع، ونكتشف أنَّنا لا نملك سوى أطلال الماضي وأنَّه من القبح أن نتغنَّى بالماضي ما دُمنا لا نملك الحاضر، وبين هذا وذاك يجد الإنسان العربيُّ نفسه يعيش حالةً من الازدواجيَّة، فمَنْ تتفاخر بالاحتشام وتلوم الأخريات على السفور، تجلد ذاتها كل يوم على ما تفعله في الخفاء، ومَنْ يتظاهر بالتَّقوى ويأمر بالمعروف يؤلم ذاته المعذَّبة باقتراف المنكر، ومن يتغنَّى بالعدالة والأهميَّة القصوى لمصلحة الشعب، لا يعنيه سوي كرسي البرلمان..........و غيره و غيرها إلخ إلخ
وهكذا تسير الحياة بكلٍّ منّا، نرجسيّة في العلن وجلد للذَّات في الخفاء حتى فقدْنا ثقتَنا في أنفسنا كعرب بأننا قادرون على التغيّر، وفقدنا الرجاء بأنّ هناك غدًا مشرقًا، وبدَتِ الصُّورة أكثر قتامةً عندما ذابتْ واختفتْ في المجتمع الفئةُ القليلةُ التقيَّةُ الباقية، ولم تَعُدْ نورًا ولم تَعُدْ ملحًا يُصْلِحُ من مرارة هذا الواقع، بل أصبح الإنسان العربيُّ هو هو من المحيط للخليج له نفس أسلوب التفكير ونفس طريقة العيش، بكل فئاته وطوائفه، نفس ملامح الشَّخصيَّة بأوجهٍ مختلفة من بلد لآخر.
ولا تظهر هذه النرجسيَّة إلا عندما لا نجد بين أيدينا ما نواجه به الاتِّهام بالضَّعف والتَّقصير، وكأنَّ الادِّعاء بأنَّنا بأفضل حالٍ وأنَّ الآخرين يهدفون ويتآمرون لهدمنا لأننا أفضل منهم، هو الملاذ للتَّستر على عيوبنا أمامهم، لكنَّنا ننزوي بعيدًا في الخفاء لنبكيَ بكاءً مرًّا على واقعنا الأليم ونعودَ لنجلد ذواتنا، هل العيب فينا أم في مجتمعنا؟ في فكرنا أم في ثقافتنا؟ في تخاذلنا أم في استقواء حكّامنا؟ في لهثنا وراء رغيف الخبز أم في مَنْ سرقوا ونَهبوا خيرات بلادنا دون رقيب أو حسيب؟
لماذا يعيش مَنْ نظن أنفسنا أفضل منهم حياةً أفضل منّا؟ ينعمون برغد العيش وحريَّة الفكر و الاختيار، يقدِّرون قيمة الإنسان دون ظلمٍ لأخيه الإنسان، ورغم تباهينا وتفاخرنا بأنفسنا، نموت غرقًا من أجل الفوز بالعيش في جنتهم، ورغم الاعتزاز بقوميَّتنا إلَّا أنَّنا لا نحتفي إلا بمشاريعهم وبضائعهم، و رغم ثقتنا في كلمتهم وجدِّيَّتهم نفقد الثقة بأنفسنا، فالعربي لا يثق في أخيه العربي، ألسْنا رغم العنجهيَّة الزائفة نجلد ذواتنا بأيدينا؟
وماذا بعد؟ هل سنظلّ على هذا الحال دون سعي حقيقي للتَّغير؟ إن كنتُ أتفاخر أمام العالم بأسره بأنني عربي، فما هي قيمتي وما هي رسالتي؟ إن كنتُ أتباكى من نظرة الآخرين الدونيَّة لي، فماذا فعلت حتى أثبتَ لهم عكس ما يظنّون؟ إن أردتُ أن أغيِّر نظرتهم فبالأولى أغيّر نفسي، أنهض من الخمول وأنفض تراب السّلبيّة، أرعى الحق وأسلك بالأمانة دون أن أُسقِطَ فشلي على المجتمع والآخرين، فالمجتمع لن يتغيَّر ما دام كلٌّ منّا لا يملك سوى لسان يلوم ويشجب ويستنكر، دون أن يملك عقلاً مبدعًا مفكرًا يُخْرِجُ من المشكلة حلولاً، ومن الفشل نجاحات، وما دام كلٌّ منَّا يضع الحواجز والحدود حتى لا يعامل الآخر المختلف، إنها دعوة اليوم لنتغيَّر ونقبل الآخر مهما كان الاختلاف حتى يتغيَّر واقعنا ويصير مجتمعنا أفضل، لا عن كلام أو انفعال بل عن عمل جادٍّ ومثمر، إن فعلنا هذا ، حينها سيتوقَّف جلد الذات ويحقّ لنا أن نفتخر بكوننا عرب وبأنَّنا بسلوكنا نقدِّم للعالم رسالة.
نقلاً عن: الحوار المتمدن-العدد: 3165 - 2010 / 10 / 25 - 16:53