إبن سينا

حياتُهُ
ولِدَ في قرية أفشنة الفارسيّة سنة 980م وتُوفِيَ في همدان سنة 1037م. عُرِفَ باسم الشّيخ الرّئيس، وَيُطْلَق عليه في الغرب لقب " أمير الأطبّاء".
تلقّى تعليمه في سنواته الأولى على يد أبيه الّذي كان أحد مشايخ الطّائفة الإسماعيليّة، ورغم أنّ ابن سينا لم يتّبع معتقدات والده، إلّا أنّه استفاد جدًّا من مجالسة الكثيرين من العارفين الّذين كانوا يجتمعون في البيت عند أبيه للحديث والمُناظرة. ودفعه حبُّ المعرفة إلى دراسة المنطق. وحين بلغ الثّامنة عشرة أحسّ أنّه لم يَعُدْ بحاجة لمعلّميه، فمضى يواصل دراسته بنفسه.
وما أثّر في تطوّره الفكريّ هو تمكّنه من الإطّلاع في مكتبة قصر السّمنديّين، وقد سُمح لابن سينا بدخول تلك المكتبة العظيمة بعد نجاحه في علاج الأمير نوح بن منصور السّمندي من مرضٍ عجز كلّ أطّباء عصره المشهورين عن علاجه.
بعد وفاة والده، انتقل ابن سينا إلى "همدان" فحقّق شهرة كبيرة هناك، وصار وزيرًا للأمير شمس الدّين البويهي، إلّا أنّه لم يبقَ بها طويلًا. إذ وجد نفسه بعد وفاة شمس الدّين وسط محيطٍ غيرِ مريح. وتسبّب موت راعيه في رحلةٍ من المصاعب انتهت بسجنه. لكنّه استطاع أن يهرب إلى أصفهان، مع مجموعةٍ صغيرة من أعوانه وقرّر أن يستقرّ فيها.
في الفلسفة
ذهب ابن سينا مَذْهَبَ بعض الفلاسفة في قوله: "إِنَّ الله لا يعلم الجُزْئِيَّات"، ويُعتبر مًؤَسِّسَ الاتّجاهَ الفلسفيَّ الّذي نفى عِلْمَ الله الكامل وقدرته وخلقه العالم وبعثه لمن في القبور، والّذي ساوى الفلاسفةَ مع الأنبياء وخَصَّ الفلاسفة بميزة أخرى وهي أنّهم استمرّوا في رسالتهم وارتقاء معارفهم في الوقت الّذي فيه خُتِمت نبوّة الأنبياء.

وَفَاتُهُ
بعد أن استقرّ في أصفهان وحَظِيَ برعاية أميرها، أصاب جسده المرض واعتلّ، حتّى قيل إنّه كان يمرض أسبوعًا ويُشفى أسبوعًا! وقد أكثَرَ مِن تناول الأدوية، ولكنّ مرضه اشتدّ عليه، وعلم أنّه لا فائدة من العلاج، فأهمل نفسه وتصدّق بما لديه من مالٍ للفقراء، وأعتق غلمانه، وتُوفي في 1037م، في سنّ الثّامنة والخمسين، ودُفِن في همدان بإيران.

قضى أميرُ الأطّباء مريضًا مُعْتَلًّا! عجز عن تطبيب نفسه وهو الّذي اكتشف الكثير من الأدواء وأوجد لها الدّواء. تأثّر بفكر "العارفين" الّذين يزهدون الحياة الدّنيا تقرّبًا بالله، لكنّه ابتعد عمّا يُطمئِن قلبه! وتَشتَّت ذِهنُه بأفكارٍ فلسفيّة مشوّهة عن الله، وكَمِثْلِ الكثيرين في مختلف العصور، حاول تطويع معرفته لإدراك ماهيّة الله. لكنّ عقل الإنسان مهما بلغت عبقريَّتُه، يبقى
محدودًا وعاجزًا عن إدراك الله غير المحدود والمُطلق الكمال! وتبقى معرفة الإنسان عن الله مشوّهة بفساد أفكاره وتصوّراته، وهي تقوده في النّهاية لسجن الخوف من المجهول. لكنْ، هناك معرفة واحدة تُحَرّر الإنسان من عبوديّة الخوف، إنّها معرفة الحقّ، تلك المعرفة الإلهيّة الّتي تسمو فوق كلّ البشر! ولكن أين نجدها؟ وما هو السّبيل إليها؟ يقول "عيسى المسيح المُصْطَفى الأعظم": أنا هو الطّريق والحقّ والحياة" نعم، فهو الطّريق المضمون المصير، وفيه الحقّ المُبين فهو بارٌّ وقدّوسٌ لا غِشَّ فيه، وهو من بذل حياته فديةً للآثمين كيما يهبَ بقيامته من بين الأموات نصيبًا في حياة الخلود لكلّ مَنْ يؤمنون به. فهل لنا أن نهرع إلى هذا الّطريق حتّى نختبر هذه المعرفة الإلهيّة المُحَرِّرَة مِن كلّ عبوديّة؟!