الفُرْقة في مُجتمعنا مُقْلِقَة

ماذا أصاب القوم؟ ماذا أصاب مجتمعنا ؟ ألا يكفينا العنف والقتل المُسْتَشْرِي؟ حتى نُكَحِّلَه بِسَواد التَّباعُد والفُرْقة ؟!!!
الْوَحْيُ المُقَدَّس يحكي عن القطيعة والعداوة بين البشر في أواخر الأيّام حيثُ تقوم أُمَّةٌ على أُمَّة، وشَعْبٌ على شعب..
أَتُرَانَا في الأيّام الأخيرة ؟! وهل بدأت هذه النُّبُوَّة تتحقّق، وإلّا فما بال شِيَمِنَا الشَّرقيّة الرّائعة قد بدأت تتبخّر وتطير ؟ …فأنت لو رَاقَبْتَ من بعيد أو قريب علاقاتِ النّاس والبشر ، لَرَأَيْتَ بِعَيْنَيْكَ العداوة تضرب أطْنَابَها بين أبناء الشَّعْبِ الواحد والعائلة الواحدة، فَالأَخُ يقاطع أفراح أخيه ويتحجّج بألف حُجّةٍ وألف عُذرٍ أمام وُسَطَاء الخير، هذا إِنْ وُجِدُوا.
ما كانت الحالة لِتَحْدُثَ في الماضي البعيد وحتّى القريب، فماذا حَدَث وماذا أصاب القوم ، حتّى دَبَّتِ الفُرْقَةُ والعداوة في كثيرٍ من العائلات ، بل وَأَكَادُ أقول في كُلِّ العائلات ، بل وَضَرَبَتِ القُرْبَى في الصَّميم؟!

ماذا دهى القوم حتّى بَاتَ المُصْلِحُون وأهل الخير وَرَأْبُ الصَّدَع قِلّة ونُدْرَة.
فلا تَجِدُ من يَرْأَبُ الصَّدَعَ ويُجَبِّرُ الكُسور والخواطر، وأضحى الفرد مُنْطَوِيًا على نفسه وبيته ، وكأنّ المياه الّتي تجري خارج المَجْرَى لا تَهُمُّه بشيء.
لا دخلَ لي يقولُ لكَ…دَعْنِي ففي البُعاد عن النّاس راحةٌ
وكذا الأمر أيضًا في العلاقات بين الأقارب والجيران والطّوائف تبقى مُتَوَتِّرة وأحيانًا ساخنة تَهْدِرُ وتَفُورُ كَمَا البُرْكان.
من يُداوي الأَوْصَاب، ومن يعالج المشاكل والخلافات بين الأهل بالمحبّة ؟ أين طارت النّخوة العربيّة والشّرقيّة الأصيلة وأين نحن من الكلمة الذّهبيّة "تَصَالَحُوا مَعَ الله" ، بل مع إخوتكم البشر ؟
والأغرب من هذا وذاك ، أنّ القطيعة قد تَمْتَدُّ على مدى الحياة، فيُقابل المرء رَبَّهُ وهو على خِلاف ٍ مع أخيه وابن عمّه وجاره ، ولو بَحَثْتَ في جذور المشكلة والخلاف لَوَجَدْتَ أنّ الأمر تافه ، والأسباب باهِتة ، وأنّ هناك مَنْ قد نَسِيَ هذه الأسباب ، في حين ظلّت الفُرْقة على حالها.
إلاّ أنّ الأمر المُضحك والمُبكي في وقتٍ واحد ، أنّ هذه العداوة قد تزول أحيانًا أو تخفّ وطأتها عند فقدان أحد الطَّرَفَيْن ، فتجد الأخ المُقَاطِع والقريب المُقَاطع يقفُ يتقبّل التَّعَازي ويذرف الدُّموع الحارّة ، ويأبى أن يُكَفْكِفَ هذه الدّموع.
فَمُصَابُه جَللٌ!!

أين المحبّة الَّتي تتأنّى وترفق ولا تُقبّح ، ولا تحتدّ ولا تظُنّ السّوءَ، وتحتمل كلّ شيء ، وتُصدّق كلّ شيء ، وتصبر على كلّ شيء؟
أين طارت هذه المحبّة الرّائعة ، والّتي تجلّت بالمُساعدة والحِسّ المُرهَف والمشاركة بأحلام الغير وأفراحهم وأتراحهم وأتعابهم؟
أين الإنسانيّة الّتي خُلِقْنَا عليها ، أَلَمْ نُخلَق على صورة الله ومثاله؟
الأمر مُقْلِق حَقًّا حيث أنّ الرُّقْعَة تزيد وتتّسع وتكاد تبلع المجتمع بأسره.
وأعود وأتساءل: أين المحبّة الّتي كانت تملأ أركان البلدة ، فيعيش النّاس في طُمأنينة ، وتعيش الطُّمأنينة في النّاس؟ أين رجال الله ، أليست هذه هي إحدى مهمّاتهم الأساسيّة ؟!! سؤال أُطْلِقُ ساقيْه لِلرِّيح عساه يصل إلى العنان والقلوب.

هيّا نتصالح..
هيّا ننسى ..
هيّا نعود للمحبّة الاولى..

الكاتب : زهير دعيم
المصدر: بُقجة