الله يكْرَهُ الدِّين

مقال الأسبوع: المقال الأول
الكاتبة: مرثا فرنسيس
الله يكْرَهُ الدِّين
تُعتبَر مصر من أكثر الدُّوَل تديُّناً وقد يكون هذا المَيْل للتَّديُّن هو من أكبر أسباب مشاكلها، منذ عصر قدماء المصريِّين والبحث دائم عن إله أيًّا كان شكله ونوعه ومعناه واسمه، وقد يكون السبب هو احتياج الإنسان لمن هو أكبر وأقدر منه، ومن ثم نشأتْ فكرةُ الدِّين وتدخَّل البشر بآرائهم الشَّخصيَّة واجتهاداتهم وميولهم ليحرِّكوا ويغيِّروا مستغلين كلمة إله وتأثيرها على الإنسان عامّةً والبسطاء خاصّة.
الدِّين كنظام، يعوق الإنسان عن التَّمتع بالحياة؛ خوفًا من عدم إرضاء الله الذي لا يعرفه ولكنَّه سمع به في كتب الدِّين، الدِّين يجعل الإنسان يشعر بالذنب تجاه أشياء لا يجب أن يشعر بالذنب تجاهها، بل إنّه قد يقلق من جهة أشياء لا يجب القلق بشأنها، ويقضي الإنسان أوقاتًا طويلة في محاولات لإرضاء القوة العليا الَّتي لا يعرفها، ويهتمّ بأعمال الخير وإطعام الفقراء ظنًّا منه أَنَّه سينال نقاطًا لصالحه من الله، حتى أَنَّه يظنّ أنّه ينال استحسان الإله بل ويظنّ أَنَّه ينال أيضًا من هذا الإله مكافأة على ما يرتدي من ملابس أو ما لا يرتدي أيضًا، ما يأكل أَو ما لا يأكل!
الدِّين يُستغَلُّ كعذرٍ يستخدمه العالم للتَّمييز بين البشر سواء على أساس الجنس أو على أساس العقيدة، كما أَنه يتبنّى خرافات كثيرة وجهل شديد، يقبلها كثيرون دون تفكير أو فحص لمجرَّد أنّها باسم الإله حتى لو كانت مضادّة للعقل أو المنطق، ولا يجرؤ على معارضتها خوفا ًمن عقاب الإله، وكأنَّ هذا الإله ممسكٌ بسوط وهو يراقب كل إنسان مترصِّدًا له على كل خطأ صغير أو كبير، وسواء قام به بعلم أو بجهل.
الدِّين يُستغَل للسَّيْطَرة وممارسة السُّلطان على الآخرين، والتَّحكم في المرأة هو أحد أشكال السيطرة الَّتي يمارسها الرِّجال باسم الدِّين، رغبة ً في امتلاكها ومصادرةً لكلّ حقٍّ إنسانيٍّ لها تحت ستار حمايتها ومنعها من أن تكون مصدر شهوة للرجل وقد قال أحدهم في رفضه لهذا المنطق: أنَّه لو ارتدتِ المرأة كُتَلاً خرسانيَّةً سيجد الرِّجال طرقاً جديدة لاشتهائهنّ.
الدِّين يصوِّر لبعض الناس أنَّ عليهم أن يهربوا من الحياة بشكلها الطبيعي، وهذا منشأ النِّفاق فرجال الدِّين أو بعضهم بالمعنى الأدَقّ، يدَّعُون لمبادئ ويعيشون بغيرها وغالبًا بعكسها، وأصبح النِّفاق ملازمًا للدِّين في أغلب الأحوال.
بعض رجال الدين أبرار في أعين أنفسهم ويضعون قوانين صعبة أمام النّاس، وعندما يعجز الإنسان العادي عن تطبيقها – يصبح ضحيَّة الإحساس الفظيع بالذَّنب، فالقوانين عديدة وغير واقعيّة وتكاد تكون مستحيلة وكونها باسم الإله يزيد من الإحساس بالذَّنب داخل الإنسان فيُصاب بالإحباط. وبذلك يتسبَّب الدِّين في تضليل الناس بحسن نيَّة ويبعدهم عن هويَّتهم الحقيقيَّة.
يبتعد المتديِّنون عن المحيطين بهم حتى لو كانوا أقرب النَّاسِ إِليهم، لاعتقادهم أنَّ غير المتديِّنين قد يضلِّلونهم، وهذا عكس المتوقَّع بأن يزداد المتديَّنون محبة للآخرين، فإن لم يدعُ الإله لحُبِّ الآخر القريب والبعيد، المتفِق والمختلِف إذن ما قيمة الدِّين وما معناه وما هو دوره في تطوير ورقي الحياة الإنسانيَّة؟
الدّين يضع مقاييس بشرية لله ويتخيَّل ما يرضيه وقد يعتقد البعض أن كلّ ما يطلبه الله هو الذّهاب إلى الكنائس أو المساجد وكما قال أحدهم: تواجدك في جراج لأي فترة من الوقت لن يجعل منك سيارة!! وخاصَّةً أنَّ هذه المقاييس شكليَّة، ولا تمتدّ إلى الحياة اليومية لِتُغَيِّرَها وَتُحَسِّنَ من شكل المجتمع الإنساني. فيكون للدِّين تأثيرٌ إيجابيٌّ على البشرية كما ينبغي أن يكون.
الدين يجعل سلطة رجال الدِّين بلا قيود، فهم يُحرِّمون ويُحلِّلِون ويُكفِّرون ويُبرئون، وهذا يسدُّ كل الأبواب أمام الإنسان فلا يدرك الحق. بل إنه يبعد المسافة بين الإنسان وبين محاولة معرفة الله عن قرب، أو محاولة البحث عن المعرفة الحقيقيَّة به. بل إنَّه يزيد الصِّراع بين معتنقي الدِّيانات المختلفة وبين رجال الدِّين وبعضهم البعض، وكلٌّ منهم يعتبر أنَّ ما لديه هو الحقيقَةُ المُطلقةُ.
في رَأْيِي إِنَّ نسبة الإلحاد قد زادت في أيامنا هذه بدرجةٍ ليست بقليلة، لغيابِ القدوة والتَّناقض بين ما يُعلِّم به رجال الدين وبين ما يعيشونه فعليًّا، وتصبح أفكارهم سطحيّةً نتيجة صرفهم الوقت في معاداة الآخر وفرض سيطرتهم ورغبتهم في التَّكسُّبِ والتَّربُّح باسم الدين، دون بذل أيِّ مجهود في المعرفة والقراءة والدِّراسة والتَّعمق في كتبهم حتى يكون رجل الدين جاهزًا ومستعدًّا لمساعدة ومجاوبة كلّ مَنْ يسأَلُه، وكلّ من يريد الاستفسار عن شيءٍ ما بدون قيود وبدون تحريم أو تكفير للسؤال.
هل خلق الله الإنسان لكي يؤدي له طقوسًا جافّةً لا حياة فيها؟ وهل يمكن خداع الله ممَّنْ يظهر له التَّعبد وفي قلبه فسادٌ وشر؟ ألا يعلَمُ الله ما في القلوب؟ الملائكة تسبِّح الله بكلِّ الحبّ والألحان السماويَّة ولا حاجة لله لكي يخلق الإنسان إذا كان هذا هو الدَّافع للخلق. إن من يسعى وراء الدِّين كشكلٍ أَو قناع فقط ليكتسبَ أعدادًا بشريَّةً تتبع ما يعتنق أو ليكسب مالاً وجاهًا وسلطة، هو مضلل ولا يمكن أن يكون قادرًا على إقناع أيِّ إنسان بعبادة هذا الإله! خاصّةً أنَّ هذه الأقنعة سهلة السقوط أمام رياح المنطق والحقيقة.
الله لا يمكن أن تكون في طرقه مراوغة أو تضليل، ولا يمكن أن يكون ضد الحقيقة وضد المنطق، لابد للإله أن يكون هو الحقّ المطلق وأن تكون كلّ طرقه ووسائله مستقيمة، الله هو شخص حقيقي وحيّ ولا يمكن لإنسان أن يشمخ عليه ويتكلم بالكذب نيابةً عنه، الله يجب أن تكون للعلاقة معه نتائج إيجابية في حياة الإنسان والمجتمع، اتِّباع الله لا يمكن أن يؤدي للكراهية والعنف والقتل. الله لابد أن يكون نورًا ولا يضطر تابِعُوه للسَّير في الظلمة، الله لا يكيل بمكيالين، فإن لم يكن عدلُهُ حقًّا وإن لم تكن الرحمة والحب من صفاته المطلقة أيضًا فما حاجة الإنسان لإله؟ الإله الحقّ هو من يحرِّر الإنسان من ناموس العمل الثقيل وينظر للقلب وليس المظهر، الإله الحق لا يحتاج لأن يدافع عنه إنسان ولا يحتاج أن يفرض نفسه على إنسان، الإله الحق لا يحرم إنسانًا من حق البحث والقراءة والتَّفكير وقبول ما يقبله عقله ولا يتناقض مع الإنسانيَّة ومع الحق. في اعتقادي أَنَّ الله يكره الدّين لأنه يحصر الإنسان في مجموعة من الأعمال الشّكليّة التي تزيد من تركيز الإنسان حول نفسه وتعلّي من انحصاره في ذاته، وكلّما زاد غرق الإنسان في ذاته كلما عَجِزَ عن التَّقابل مع النعمة الإلهيَّة. معرفة الله هي الالتقاء بالنور، وإذا التقى الإنسان بالنّور لن يحتاج دليلاً للسّير في حياته ولا لمن يُعرِّفه الحق من الضلال.
محبتي للجميع
نقلاً عن: الحوار المتمدن-العدد: 3929 - 2012 / 12 / 2 - 00:10